ماستر:
يعد التأمين من أهم قطاعات الخدمات المالية في العالم، فهو يساهم في دعم باقي القطاعات الأخرى والمحافظة على توازنها واستقرارها،
من خلال الدور الرئيسي الذي تمارسه شركات
التأمين والمتمثل أساسا في التقليل من المخاطر وتعويض المتضررين بما يؤدي إلى تطور
واستقرار النشاط الاقتصادي، ونظرا لما لهذه الآلية من أهمية بالغة، فقد أستحدثت مؤسسات
للتأمين تتوافق مع ما جاءت به الشريعة الاسلامية من مبادئ وأهداف، فأنتج لنا ما يسمى
بالتأمين التكافلي.
ويعتبر هذا اللأخير بديلا شرعيا للتأمين التجاري، فقد جاء ليكمل الخدمات التي تقدمها البنوك
الإسلامية (التشاركية)، التي تقدم بدورها عمليات شرعية من قبيل: المرابحة، المشاركة،
الإجارة،… ، فهو يرتبط بجميع المنتجات التي تقدمها،ويحقق الأمن والاطمئنان لكل من البنك
وزبنائه، كما يساهم في دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، نظرا لطبيعته وللأسس التشريعية
التي تنظمه.
وقد شهد نظام التأمين التكافلي، تطورا ملحوظا، خاصة في السنوات الأخيرة،وأصبح صناعة
مالية قائمة بذاتها،حيث حظي بإسهامات فكرية حاولت ايجاد حلول لجميع المشاكل التي قد
تعتريه سواء أكانت مشاكل فقهية أم فنية، فأضحى يحتوي على أحكام وضوابط خاصة به،
تتلاءم مع أحكام الشريعة ومقاصدها.
ويعود أول تطبيق لعقود التأمين الإسلامي أو التكافلي إلى بنك فيصل الإسلامي بالـسودان عـام 1979م، ثم انشـرت التجربـة في كـل دول العـالم، ليصـل عـدد شـركات التـأمين التكـافلي اليـوم إلى أكثـر مـن 195 شـركة في العـالم. ونظرا للنمو الذي شهدته هذه المؤسسات، والتي عبرت عن ملاءتها وقدرتها على التصدي لكافة المعيقات التي تعترضها، حيث دفـع بكـبرى مؤسسـات التـأمين في العــالم إلى الاهتمــام بهذا النــوع مــن الخــدمات وتقديمها لزبائنها،
وذلك قصد الاستفادة من المزايا التي تحتويها.
أما في المغرب، وباعتباره من أواخر الدول العربية التي شرعت في وضع إطار قانوني للمالية التشاركية، فقد أدخل التأمين التكافلي أول مرة في مدونة التأمينات ، بموجب القانون 59.13 المعدل والمتمم لمدونة التأمينات، وبعد مخاض عسير وتعديالات متكررة ومعمقة، وأخذا بعين الاعتبار لكل الملاحظات التي قدمها المجلس العلمي الأعلى واللجنة الشرعية للمالية التشاركية، تم إقرار التأمين التكافلي بصيغته النهائية بموجب ظهير شريف رقم 110.19.1 صادر في 7 ذي الحجة 1440 الموافق ل 9 اغسطس 2019 بتنفيذ القانون رقم 87.18القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، وذلك في انتظار العمل بها من قبل
مؤسسات التأمين. وإذا رجعنا إلى العنوان فإننا نجده يتكون من مجموعة من المصطلحات هي كالتالي:
1
الضابط ونقصد به في اللغة1 لزوم الشئ وحبسه وهي كلمة مشتقة من ضبط يضبط والضبط حفظ الشئ والجزم واصطلاحا يعرف بكونه الشرط او الأمر وهو حكم كلي ينطبق على جزئياته.
ويقصد بالضابط الشرعي حسب ماجاء عن الباجي مايعدم الحكم بعدمه ولا يوجد بوجوده وهو ماجاءت به الشريعة الإسلامية في تنظيمها لكل أوجه الحياة والتي نجد من بينها المجال المالي.
أما الضابط القانوني وهو الشروط و الأوامر التي جاءت بها القوانين الوضعية في سبيل تنظيم ظاهرة قانونية معينة.
هذا ويعتبر الضابط مطلبا أساسيا لتنظيم كافة أنواع المعاملات.
التأمين في اللغة2 مأخوذة من الاطمئنان الذي هو ضد الخوف واصطلاحا فقد عرفته مدونة التامينات بكونه عقد يجمع بين المؤمن والمكتتب من أجل تغطية خطر ما.
التكافل في اللغة التعاون والتلاحم والتضامن واصطلاحا هو أن يتضامن ابناء المجتمع ويتساندو من أجل تحقيق مصلحة عامة.
وعليه يكون معنى التأمين التكافلي في اللغة مشتق من مادة الأمن، والتي تدل على طمأنينة النفس وزوال الخوف ، والاصل أن يستعمل في سكون القلب . ويقال أمن البلد :أطمأن فيه أهله، وأمن الشرمنه سلم. أما إصطلاحا سنتتعرض لتعريف التأمين التكافلي في مسألتين: المسألة الأولى: مفهوم التأمين التكافلي كنظام له عدة تعريفات سنقتصر فقط بذكر بعضها: يرى الدكتور حسين صامد أن التأمين التكافلي أنه عبارة عن تعاون مجموعة من الأشخاص يسمون “هيئة المشاركين” يعترضون أو أخطار معينة،على تلافي أثارهده الاخطار ،ودالك بالالتزام كل منهم بدفع مبلغ معين على سبيل التبرع ، يسمى القسط أو الاشترك تحدده وتيقة التأمين أو عقد الاشتراك ، وتتولى شركات التأمين التكافلي إدارة عمليات واستثمار أمواله نيابة عن هيئة المشتركين في مقابل حصة معلومة من عائد الاستثمار، هذه الأموال باعتبارها مضاربا أو مبلغا معلوما مقدما باعتبارها وكيلا أو هما معا .
وكذلك تعريف الدكتور عبد الستار أبوغدة: حيت يرى أن التأمين التكافلي هو قيام مجموعة من الاشخاص بالإشتراك في نظام يتيح لهم التعاون في التحميل الضرر الواقع على أحدهم بدفع تعويض مناسب للمتضرر من خلال ما يتبرعون به من أقساط . أما المسألة الثانية تتعلق بأن التأمين التكافلي كعقد: إن التأمين التكافلي باعتباره عقد يتحدد فيه طرف العقد ،وطبيعة محل التعاقد ،والتزامات أطرافه،كل ذلك يؤدي إلى ضبطه من الناحية الشرعية، ومعرفة الحكم في كل نوع من أنواعه ، كما تحدد لنا خصائصه والفروق بينه وبين التأمين التجاري . كدلك عرفه الدكتور رياض الخليفي فقال:
1معجم عربي عربي 2نفس المرجع
2
عقد تبرع لصالح مجموعة المشتركين يلتزم بموجبه المؤمن له بسداد الاشتراكات التكافلية المتفق عليها بالقدر والأجل المتفق عليه، على أن تلتزم الهيئة المشتركين بتعويضه عن الضرر الفعلي حال تحققه، وذلك وفق المبادئ والشروط والضوابط المتفق عليها، والتي لاتتعارض
مع المبادئ وأحكام الشريعة الاسلامية. أما من الناحية القانونية فقد عرف لنا المشرع المغربي التأمين التكافلي في المادة الأولى من مدونة التأمينات بكونها: “هو اتفاق بين المؤمن والمكتتب على تغطية خطر ما ويحدد هذا الاتفاق التزاماتهما المتبادلة”. و للموضوع أهمية قصوى سواء من الناحية النظرية او من الناحية التطبيقية: وتبرز أهمية الموضوع من الناحية النظرية بكون التأمين التكافلي من الخدمات حديثة النشأة والتي لم يتم تطبيقها أو العمل بها إلى حدود الساعة الشيء الذي يتطلب منا البحث والتقصي في قواعدها وضوابطها من أجل التطبيق الصحيح لها وبالتالي تحقيق الغرض منها. أما من الناحية التطبيقية فيمكن أن نقول بأن تطبيق التأمين التكافلي سيكون له أثر على المستوى الاقتصادي كما المستوى الاجتماعي: فعلى المستوى الاقتصادي فإنه يلعب دورا في تحقيق التنمية، من خلال توفير التغطية التأمينية لمختلف الأفراد والمشروعات من الخسائر التي قد تلحق بها نتيجة تحقق الأخطار المحتملة، بالإضافة إلى استثمار أمواله بشكل يطابق الشريعة الاسلامية مما يعني الرفع من الاقتصاد الوطني، وهو ما سوف ينعكس على المستوى الاجتماعي إذ أن هذه الاستثمارات من شانها ان تخلق فرص شغل لشباب العاطل وبالتالي القضاء على الآثار السلبية الناتجة عن ظاهرة البطالة. وبناء على ماسبق يمكن ان نتخذ الإشكالية التالية أرضية لمناقشة عرضنا: هل استطاع المشرع المغربي أن يلتزم بما أقره الشرع أثناء تنظيمه لأحكام التأمين التكافلي؟ والتي يشتق منها الاشكالات التالية: ما الأحكام العامة التي يقوم عليها التأمين التكافلي؟ ما هي الضوابط الشرعية التي تقيد عمل مؤسسات التأمين التكافلي؟ ماهي الضوابط القانونية للتأمين التكافلي ؟ هل الضوابط القانونية متطابقة مع الضوابط الشرعية ؟ سيتم اعتماد المنهج التحليلي لدراسة هذا الموضوع،
وفق التصميم التالي:
المبحت الاول : الاحكام العامة لتأمين التكافلي
المبحت التاني : الضوابط الشرعية والقانونية